Saturday, June 30, 2012

الاستراتيجية الأميركية العميقة: العسكر والعمائم معاً...تفتيت العرب كقومية والإجهاز على الإسلام كدين



الاستراتيجية الأميركية العميقة: العسكر والعمائم معاً...تفتيت العرب كقومية والإجهاز على الإسلام كدين


رؤوف شحوري-ليس من السهل تحليل السياسة الدولية للولايات المتحدة الأميركية وتحديد أبعادها ومراميها القريبة والبعيدة على مدار الكوكب. وهي سياسة معقدة ومركبة وذات طبقات عديدة، ومتعددة المصادر والمكونات، ومختلفة التوجهات بحسب الأوضاع الجيو - سياسية في المناطق القارية التي تتوجه اليها. وتدخل في مكونات هذه السياسة الدراسات المعمقة لأجهزة الاستخبارات، والتقارير الاستراتيجية للمؤسسة العسكرية، ومراكز الدراسات التابعة للمؤسسات الرسمية مثل وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي، وكذلك تلك المراكز غير الرسمية ويخضع الكثير منها للفكر الصهيوني وتأثير اللوبي اليهودي الأميركي، إضافة الى شبكة واسعة جداً من الخبراء والمستشارين التابعين للبيت الأبيض، ووزارة الخارجية، والبنتاغون وغيرها من مؤسسات الدولة.

وتشمل تلك الدراسات خصائص المجتمعات الأخرى الاجتماعية والثقافية والحضارية والايديولوجية والاقتصادية وتوازناتها الداخلية والإقليمية ونقاط القوة والضعف فيها على كل صعيد بما في ذلك الأمنية والعسكرية.

بالنسبة للعالمين العربي والاسلامي، أدرك الأميركيون في وقت مبكر أهمية تيارين في الفكر والسياسة يهيمنان على المنطقة. التيار العربي القومي الوحدوي الذي وظفته أميركا والغرب عموماً في إطار مصلحتهما الكونية لخلخلة الامبراطورية العثمانية، وتفكيكها والإجهاز عليها ووراثة امبراطوريتها المنهارة. والثاني هو التيار الاسلامي الذي درسه العلماء الأميركيون بعمق في مرحلة الحرب الباردة واستخدموه على نطاق واسع لضرب الامبراطورية السوفياتية من الداخل وفي العالم كجزء من حرب باردة عالمية شاملة لإنهاك السوفيات واستنزافهم وتشتيت قواهم على مدار الكوكب، وفي حروب ساخنة محصورة، وفي حروب باردة على مدار القارات.

وأقامت أميركا تحالفات وثيقة في وقت مبكر مع الدكتاتوريات العسكرية والمدنية في العالمين العربي والاسلامي لهذا الغرض، كما رعت تنظيمات الاسلام السياسي وبخاصة المتطرفة منها، وأنشأتها عند الضرورة واستخدمتها في اتجاهين: سياسي يكفّر الفكر الشيوعي، وأمني وعسكري ينخرط في الجهاد ويشن الحروب الساخنة ضد السوفيات.

هذه هي الوظيفة الوحيدة التي كانت موكلة الى تيار الاسلام السياسي في العالم وقد حارب الأميركيون بضراوة كل توجه إسلامي نحو الوحدة تماماً كما حاربوا كل توجه عربي نحو الوحدة.

من السذاجة القول إن الولايات المتحدة غيرت اليوم رهانها من الجنرالات الى العمائم. ويثبت يومياً الترابط الوثيق للسياسة الأميركية مع العسكر والعمائم معاً. وقد عمل هذان العنصران بتناغم مدهش في ما يُعرف ب ثورات الربيع العربي ليس بين العسكر والعمائم في كل بلد، وإنما بتنسيق خارجي تقوده أميركا. وفي تونس بينما كان العسكر يجبرون زين العابدين بن علي على التخلي، كان التيار الاسلامي يجتاح الشارع.

وحصل الأمر نفسه في مصر عندما تخلّوا عن حسني مبارك، وتم إفساح الطرق والميادين ليكون الاسلاميون من مكوناتها الرئيسية والمؤثرة. والانجاز الأعظم في مصر اليوم، هو تقديم النموذج المثالي للمساكنة الشرعية بين العسكر والعمائم، فيصل الاخوان المسلمون الى رئاسة الجمهورية ومفاصل أخرى في الدولة بالنيابة عن العمائم، ويشارك العسكر في السلطة من موقع تولي رئيس المجلس العسكري منصب وزير الدفاع في أول حكومة يشكلها الدكتور محمد مرسي الإخواني بعد الثورة، وفي تكريس رسمي لدور العسكر في الحكم. وهو نموذج سيستمر ما دام الإخوان على رأس قمة الهرم في مصر، مع مرسي أو غيره، ومع الفريق حسين طنطاوي أو غيره.

الاستراتيجية الأميركية العميقة هي أبعد بكثير من مجرد تعاون لرعاية المصالح الأميركية بالتعاون مع العسكر والعمائم في العالمين العربي والاسلامي. الأساس هو تفتيت المنطقة العربية وتقسيمها واستنزاف خيراتها بواسطة العسكر والعمائم معاً.

وكان قيام اسرائيل في المنطقة هو لخدمة هذا الهدف المزدوج. اسرائيل كقوة عسكرية متفوقة على كل الدول العربية هو مطرقة لطحن العرب. واسرائيل كدولة دينية هي لنقل الصراع من المحور القومي الى المحور الديني. وهي صلب الاستراتيجية الأميركية، وأساس ارتكازها يقوم على فكر المستشرق الأميركي اليهودي الصهيوني برنار لويس الذي ابتدع نظرية تفتيت الاسلام عن طريق نشر البدع الاسلامية والتكفيرية، لتتولى التيارات الاسلامية المتطرفة نشر الجرثومة في العالمين العربي والاسلامي، واطلاق دينامية حروب دينية اسلامية يكفرون فيها بعضهم بعضاً، ويتذابحون تحت أنظار العالم المتفرج، حتى الفناء!